إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
109640 مشاهدة
بيان البدع المتعلقة بالحج مع التحذير منها

لا بأس أن نذكر شيئا من هذه البدع. وأكثرها في مكة من المزارات. فالذين مثلا يتجشمون المشقة ويصعدون إلى غار حراء هؤلاء ليسوا على حق؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما نزل عليه الوحي ما كان يأتي إليه، وكذلك لما حج حجة الوداع ولما اعتمر ما صعد إلى ذلك الجبل، ولا رخص لأحد في أن يصعده إلى أن يصل إلى ذروته الذي هو غار حراء ؛ إنما كان قبل أن يوحى إليه كان يتعبد فيه فالصعود إليه يعتبر بدعة.
كذلك أيضا كثير يتجشمون مشقة ويصعدون إلى غار ثور الغار الذي اكتن فيه لما طرده المشركون. ولكن لم يذكر أن له مزية ولا له فضيلة ولو كان مذكورا في القرآن؛ فالذهاب إليه والصعود إليه يعتبر بدعة.
وكذلك الذين إذا صعدوا أتوا إلى تلك الأشجار وعقدوا فيها عقدا أو خرقا يقولون: إن هذه الخرقة تشهد لنا أننا أتينا إلى هذا المكان، وأنها تنفعنا، هذه الخرقة أو هذه الشجرة أو هذا الغار الذي كان فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه أيضا لا أصل لها.
كذلك أيضا في يوم عرفة نشهد وتشاهدون كثيرا يصعدون الجبل الذي يسمى جبل الرحمة ويسمى أو يعرف بجبل إلال هذا الجبل لم يصعده النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما وقف في الأرض عند الصخرات الكبار، وجعل الجبل بينه وبين القبلة، ولم يكن يقصد الجبل. فهناك أناس يصعدون الجبل ويتمسحون به. يتمسحون بتلك الحجارة مع أنها حجارة لا تضر ولا تنفع، وليس لها تأثير ولا فائدة.
وكذلك أيضا نجد أن أناسا بعيدين يجعلون القبلة خلف ظهورهم إذا كانوا بعرفة ويستقبلون الجبل. يَدَّعون أن استقباله أفضل من استقبال الكعبة وهذا أيضا خطأ؛ فليس له مزية وليس له فضيلة.
وأما في الطواف والسعي فإن هناك من يتمسحون بجدار الحجر الذي هو حجر إسماعيل إذا مروا به مسحوه بأيديهم ومسحوا بخدودهم. وهذا أيضا قد يكون شركا لا أصل له.
وكذلك الذين يتمسحون بكسوة البيت ويدعون أن لها بركة وأن لها فائدة. وكذلك الذين يتمسحون بالزجاج الذي على مقام إبراهيم يتزاحمون عليه مع أنه إنما صنع قبل ثلاثين سنة أو نحوها من المصانع الأهلية التي تصنع هذا الزجاج.
وكذلك يتمسحون بالأخشاب التي يصعد عليها الخطيب يدعون أن فيها بركة وأن لها تأثيرا. ليس هناك شيء يتبرك به ولا يتمسح إلا الحجر الأسود وكذلك الركن اليماني ؛ لأنهما على قواعد إبراهيم فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قَبَّلَ الحجر الأسود واستلمه بمحجن وقَبَّلَ المحجن، وكذلك استلم الركن اليماني الذي هو الغربي الجنوبي بأن وضع عليه يده.
وأما بقية أجزاء البيت فلم يحصل أنه استلم شيئا منها ولا تمسح بذلك، ولا تمسح بالكسوة ولا شرع ذلك فهذا من البدع.
نعرف أيضا أن الذين يرون أنه لا بد من زيارة المدينة وأن زيارة المدينة فرض وحتم. نقول: إن هذا ليس بحتم إنما تشرع زيارة المسجد النبوي؛ المسجد النبوي هو ثاني المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال في قوله صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى فهذه المساجد تضاعف فيها الصلاة.
فإذا نوى الإنسان أن يسافر إلى المدينة لأجل القربة فتكون قربته متى يكون قصده الصلاة في المسجد؛ لأنها تضاعف بألف صلاة، الصلاة الواحدة بألف صلاة. ولا يجعل قصده القبر ولا قبور الشهداء ولا قبور أهل البقيع والمزارات وما أشبهها؛ فكلها لا أصل له، ولا يجوز شد الرحال إليها.
وأما الأحاديث التي تروى في فضل زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنها كلها ضعيفة أو موضوعة لا يثبت منها شيء فلا يلتفت إلى من يروجها.
كذلك هناك إذا زرت المدينة فإنك تجد هناك من يدعوك إلى المزارات فيقول: أتريد الزيارة؟ فيزورون بك أماكن لا أصل لها إلا مسجد قباء ؛ فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتيه كل سبت ماشيا أو راكبا ويصلي فيه؛ وذلك لأنه المسجد الذي ذكر في قول الله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ إلى آخره. فإنه مسجد قباء ؛ لأنه الذي أسس أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فالصلاة فيه يعني الإتيان إليه من داخل المدينة لا بأس به. وأما السفر لأجله فلا يجوز.
وبكل حال فإن هذه أمثلة من البدع التي هي مزارات ونحوها.